Thursday, June 26, 2008

ليلة البيبى دول .. ليلة سينمائية ساخنة جدا بالمنشطات


أبناء مصـــــــــــــــــر

تُصر شركة "جود نيوز" على تقديم سينما من نوع خاص، فكانت رائعتها الأولى فيلم " عمارة يعقوبيان" ثم توالت الأعمال من فيلم "العندليب" إلى "مرجان أحمد مرجان" حتى "ليلة البيبى دول".

تُصر أيضا على تقديم توليفة من النجوم فى كل عمل، وتُصر على الإبهار من خلال إنتاج ضخم جدا، وتُصر أيضا على جودة النص الأدبى، تُصر على أشياء قلما تجدها مقدمة من شركات أخرى.

فيلم "ليلة البيبى دول" يتحدث عن صاحب شركة سياحة مقرها الولايات المتحدة، يُصاحب فوج أمريكى جاء فى زيارة رسمية لمصر يدعوا إلى السلام وذلك من خلال إقامة مشروعات اقتصادية وثقافية مشتركة فى المنطقة، ولكن ينتظره فى مصر هجوم إرهابى... تلك هي كل القصة!!

ولكن رُسم من خلالها عشرات القصص، التى تتناغم وتتداخل وتتصارع وتتجادل وتناظر وتقارع وتهاجم وتدافع، لتقدم وجهات النظر المختلفة، والدوافع المتعددة المتناقدة للمسلم الإرهابى والمسلم المسالم الحقيقى، والأمريكى العنصرى، والأمريكى النصف عنصرى والأمريكى الجمهورى والأمريكى الديمقراطى، قدم عينات كثيرة ليست مصرية فقط بل وعالمية أيضا.

فحكى لنا كيف تحول عوضين (نور الشريف) من مراسل لإحدى وكالات الأنباء العالمية إلى إرهابى، وكيف تحول الرجل الذى أحب صحفية يهودية ناشطة سلام إلى شخص يسعى إلى قتل أي أمريكى أو يهودى، فلقد تعرض عوضين فى سجن أبو غريب لكل أنواع التعذيب حتى وصل الأمر إلى اغتصابه وفقده لرجولته، وتعرض حبيبته الصحفية ناشطة السلام الإسرائيلية (غادة عبد الرازق) الذى قد اتفق على الزواج منها إثناء تغطيتهم الحرب على العراق للقتل دهسا تحت دبابة إسرائيلية.

وقدم أيضا سائق التاكسى المصرى الذى يستقبل صباحه بشرب زجاجة (دوا كوحه)، الرجل المغيب العشوائى الذى يستمع لشعبان عبد الرحيم "انا بكره إسرائيل"، ويروى أن اليهود قتلوا أخوه المجند الشاب على الحدود، كضرورة لسرد تلك الواقعة، فنشعر أن صناع الفيلم يريدون توثيق كل صغيرة وكبيرة؛ إن خدمت الخط الدرامى وحتى إن لم تخدمه.

الفيلم حمل أيضا وجهات نظر المطبعين المصريين من رجال الأعمال، الذين لا يهمهم سوا كنز الأموال، ويغضون الطرف عن أطماع السياسة الأمريكية والإسرائيلية.


حمل أيضا وجهات نظر المواطن الأمريكى "الجمهورى المحافظ"، الذى يرى أن العرب والمسلمين لديهم جينات كره لجميع البشر، فهو يعتقد أن المسلمين يكرهون المخالفين لهم بالفطرة، بينما يرى المواطن الأمريكى "الديمقراطى" أن السبب وراء هذا الكره هو السياسة الخاطئة لإدارة بوش الجمهورية، وإن كان يتفق مع الجمهوريين أن المقاومة تعد إرهابا!!

الفيلم قدم أيضا وجهة النظر حول فلسطين ، وجهة نظر العربى المسلم ووجهة نظر الأمريكى، فالأمريكى يرى لا مانع من العيش فى سلام ـ أي سلام ـ وإقامة وطن للفلسطينيين على بعض من أرض فلسطين التاريخية، ولا داعى للحرب أو القتل، بينما يرى العربى أن الوطن كالمرأة لا يمكن تقاسمه بين رجلين، فترد الأمريكية (ليلى علوى) ولا يمكن أن يستحوذ عليه رجل واحد.

وذلك كان ذروة الحوار بين الجانبين، وتجسيدا حقيقيا لكتب ومقالات ودراسات حول طبيعة الصراع بينهم، ولكن تلك الحوارات قُدمت كما أنك تشاهد برنامجا تسجيليا، أو كأنك فى ندوة كل محاضر له الكلمة ويرد عليه المحاضر الآخر، أو كأنك تشاهد نشرة أخبار أو برنامج إخبارى يقارع فيه الضيوف الحجة بالحجة، ويُقحم فيه الصور الأرشيفية وشهادة الشهود لتبيان قوة منطق كل ضيف، وليس أمام فيلم سينمائى يعتمد على حبكة درامية محكمة تصل بك الأحداث رويدا رويداً إلى ذروتها، من خلال شخوص أحكمت نسجها بمزيج رائع متداخل من الواقعية والإيهام يساعد فى كل ذلك الكاميرا والموسيقى.

الفيلم أشبه بتوثيق لحوادث كثيرة، مثل جرائم أبو غريب، الذى لا أخفى إعجابى الشديد بل إنبهارى بالديكورات بل وحتى الممثلين الذين كانوا أشبه بالجناه الحقيقيون ... الحادى عشر من سبتمبر جاء إخراجه اكثر من رائع وواقعى جدا، كما وثق الفيلم قمع الشرطة المصرية للمتظاهرين على سلم نقابة الصحفيين.

وقد حاولت تلك المشاهد أن تضرب عدة عصافير بحجر واحد .. أن توثق الحدث، وتعطى نبذة تاريخية عن الشخوص، وتخدم الدراما، الأمر الذى أضر بالفيلم جدا لأن سيناريو الفيلم لا يتحمل كل ذلك فخرجت أغلب الشخوص دون بناء متماسك، وأصبح هذا فيلم أشبه بفيلم وثائقى .. ضيوف يحاورون بعضهم البعض، وعدة فلاشات باكات يؤديها بعض الممثلين فى مشاهد تحاكى الواقع.

أما المظاهرات الفلسطينية فلقد وجدتها مصطنعة ولم تقدم جديد، هُم هُم بعض الفتية وبعض ناشطى السلام يرتدون الشالات الفلسطينية يرشقون جنود الاحتلال بالحصى، ولكن زاد عليه بعض المشاهد التمثيلية فها هي ليلى خورى "غادة عبد الرازق" تحاجج ضابط شاب إسرائيلى فتنكسر عينه أمامها وذلك وسط معركة طاحنة بين الجانبين وهي بمنتهى الإطمئنان وبابتسامة جميلة تنتصر عليه فينهزم متواريا خلف عينيه المهزومة المنكسرة.

موسيقى المبدع ياسر عبد الرحمن جاءت أكثر من رائعة، وخفت من وطأة الجمل الإخبارية التقريرية، فأصبحت تعيدنا مرة أخرى وتذكرنا بأننا أمام فيلم سينمائى لا أمام برنامج تليفزيونى أو أمام فيلم وثائقى.

ولي تساؤل لماذا أصر "عوضين" على تنفيذ انتقامه من مدير سجن أبو غريب بالرغم من أن مدير السجن (جميل راتب) قد أفرج عنه بعد علمه بما حدث له، بل وقدم الذين فعلوا تلك الأفاعيل للمحاكمة؟

الفيلم كل الفيلم خدم "البيبى دول" الذى اشتراه (محمود عبد العزيز) لتمضية سهرة حمراء مع زوجته (سولاف فواخرجى) فهو يُمنى نفسه كل عام بتلك الليلة وعندما تحين اللحظة ـ بالرغم من استعانته بمنشطات وبشوربة الزو الخطيرةـ يحدث ما لم يكن على البال، فتحدث أحداث 11 سبتمبر أو غزو العراق أو أحداث فلسطين أو عمل إرهابى يمنعه من النزول أو إنجاب أطفال، ولكن فى نهاية الفيلم وفى سطور صغيرة ينتصر حسام "محمود عبد العزيز" على عجزه وينجب أطفال كُثر عن طريق التلقيح الصناعى وفقط.

جاء أداء الممثلين أكثر من جيد فأداء "محمود عبد العزيز" كان ساحرا بمعنى الكلمة ، رأينا "سولاف فواخرجى" فى ثوب جديد، ووجدنا حسا كوميديا رائعا بلا تصنع أو استخفاف، "نور الشريف" لا يحتاج لعمل جديد يُضاف إلى رصيده لتأكيد موهبته ونجوميته وحضوره الطاغى أمام الكاميرا،"محمود حميدة" جسد ضابط الشرطة كما ينبغى، "سائق التاكسى" الذى حتى نهاية الفيلم لم أعرفه فاكتشفت انه الفنان الشاب صاحب الجملة المشهورة "شهيصنى" فى فيلم مرجان أحمد مرجان، بالطبع جاء أداء "جمال سليمان" راقى بمعنى الكلمة وراسخ وغير مهتز، كل الأبطال كان يلزمهم بناءا جيدا متماسكا أو سيناريو محكم أكثر من تلك الفلاش باكات لترسيخ أداؤهم أكثر وأكثر، وإظهار موهبتهم الحقيقية.

بينما جاء أداء الممثلين المصريين الذين جسدوا شخصيات أمريكية، مصطنعا إلى حدا كبير، فمازلنا نقدم الخوجاية على أن شعرها أصفر وعينيها زرقاء "فليلى علوى" مهما بلغ أداؤها لم تقنعنى للحظة أنها أمريكية، و"جميل راتب" رغم وسامته وملامحه الأوروبية وعربيته الركيكة لم يقنعنى للحظة انه أمريكى.

الجديد أن الفيلم قدم لنا ـ كعرب ـ واقعة الهولوكوست فقدم لنا المبرر الأمريكى لدعم إسرائيل، فسارة "ليلى علوى" ناشطة السلام الأمريكية اليهودية روت ما تعرضت له أسرتها على أيدى النازية الألمانية!!

جاء أيضا مشهد راقص أسطورى لعلا غانم وهي فى إحداى الملاهي الليلية ببغداد إثناء الغزو الأمريكى للعراق ، وهى تنهشها أيادى العرب والأمريكان على حدا سواء وتصورها عدسات وكالات الأنباء لينتهى المشهد بانتحار جندى أمريكى وهروبها وسط القصف، ليجسد رمزية فجة مقحمة مع موسيقى سيمفونية تصنع نشاذا مع الواقعية الجامدة التى صاحبتنا طوال مشاهدة هذا الفيلم.

فيلم ليلة البيبى دول فيلم ساخن جدا بالمنشطات باهظة الثمن، فليلة واحدة من فيلم البيبى دول، لا يكفى لمسح أثر عشر أفلام من أفلام السُبكية.